قصة قصيرة عن الحب الحقيقي.
تتمحور أحداث هذه القصة فى بيت صغير، يعيش فها أهله مرارة الغربة، ومنهم فتاة في السابعة عشر من عمرها، وتدعى زينب. كانت زينب فتاة محبوبة من جميع صديقاتها، لم تعرف العداوة طريقا إلى حياتها، وعاشت فترة المراهقة فى هدوء.
كانت ترى صديقاتها كيف يعشن مراهقتهن، فواحدة منهن تحب للمرة الثالثة، وأخرى تعشق ابن الجيران، وتلك متيمة بمن هو فى عمر أبيها، ولم تكن تقتنع بالحب أبداً، وكانت كلما قالت لها صديقاتها عن معاناتهن مع أحبائهن تضحك!!.
كانت زينب تعيش عصر الإنترنت مولعة به، فتجلس بالساعات أمام جهازها دون كلل أو ملل، بل إنه كاد أن ينخلع قلبها عندما تم فصل خط الإنترنت!! .
كانت تحب مواقع العجائب والغرائب والقصص، وتجوب أنحاء الإنترنت بحثا عنها، وكانت تحب محادثة صديقاتها عن طريق الإنترنت، وتجد فى ذلك المتعة أكثر من مجرد محادثتهن عبر الهاتف أو على الوقائع.
وفي يوم من الأيام كانت زينب تمارس كالعادة هوايتها المفضلة، وتجوب الإنترنت من موقع لآخر، وفى نفس الوقت تحادث صديقاتها فى المدرسة، عندما أخبرتها إحداهن أنها ستعرفها على فتاة تعرفت عليها على الإنترنت.
كانت زينب ترفض محادثة الشباب عن طريق الإنترنت لأنها كانت تعتبره أمرا غير مناسب أخلاقيا ودينياً، وخيانة لثقة أهلها بها، فوافقت زينب على أن تحادث هذه الفتاة، فقد كانت تحب إقامة صداقات مع فتيات من جميع أنحاء العالم.
وفعلا تعرفت عليها فوجدت فيها الفتاة الخلوقة المتدينة، ووثقت بها ثقة عمياء، وكانت تحادثها لساعات وساعات طويلة، وتزداد إعجابا بالفتاة، وبسلوكها، وأدبها وتربيتها، وأفكارها الرائعة عن الدين والسياسة وقصص الناس، وكل أمور الحياة المختلفة.
وفى مرة من المرات بينما كانت تحادثها عن طريق الإنترنت، قالت لها الفتاة:
" سأعترف لكِ بشيء، ولكن عديني ألا تكرهيني عندها ".
قالت زينب على الفور: "كيف تتلفظين بلفظ "كره"وأنتِ تعرفين مقدار معزتك عندي؟ فأنتِ في مقام أختي".
قالت لها الفتاة: "سأقول لك الحقيقة؛ أنا شاب فى العشرين من عمري، ولم أكن أقصد خداعك، ولكني أعجبت بك جداً، ولم أخبرك بالحقيقة لأني عرفت أنك لا تحادثين الشباب".
وهنا لم تعرف زينب ما العمل، فقد أحست أن هناك شيئا قد تغير فيها، وأحست أن قلبها قد اهتز للمرة الأولى، ولكنها أيقظت نفسها بقولها:
"كيف أحب عن طريق الإنترنت؟ وأنا التي كنت أعارض تلك الفكرة فى الحب معارضة تامةً؟".
فقالت له: "أنا آسفة، أنت مثل أخي فقط".
فقال لها: "المهم عندي أني أحبك، وأنت اعتبرني مثل أخيك، فهذا أمر يخصك وحدك". وتمر الأيام ويزداد كلاهما تعلقاً بالآخر، حتى أتى يوم مرضت فيه زينب مرضا أقعَدَها أسبوعا في الفراش.
وعندما شفيت هرعت إلى الإنترنت، لتجد حسابها في الفيسبوك مليئا بالرسائل، وكلها رسائل شوق وغرام، وعندما حادثته سألها: "لماذا هجرتني؟"، فقالت له: "كنت مريضة"، قال لها: " ل تحبينني؟؟".
وهنا ضعفت زينب وقالت للمرة الأولى فى حياتها وقالت: "نعم أحبك وأفكر بك كثيرا"، وبدأ الصراع فى قلب زينب وقالت:
"لقد خنت ثقة أهلي بي، لقد غدرت بالإنسان الذي رباني، ولم آبه للجهد الذي بذله من أجلي".
ثم قررت أن تكتب للشاب هذه الرسالة:
"يشهد الله أني أحببتك، وأنك أول حب في حياتي، وأنّي لم أر منك إلا كل طيّب، ولكني أحب الله أكثر من أي مخلوق، وقد أمر الله ألا يكون هناك أي علاقة بين الشاب والفتاة قبل الزواج، وأنا لا أريد عصيان أمر خالقي، ولا أرغب بخيانة ثقة أهلي بي، فقررت أن أكتب لك هذه الرسالة الأخيرة، وقد تعتقد أني لا أريدك، ولكنني لازلت أحبك، وأنا أكتب هذه الكلمات ولكن قلبي يتشقق من الحزن، وليكن أملنا بالله كبيراً، فلو أراد أن يلتمّ شملنا رغم بعد المسافات فسيكون".
كتبت زينب الرسالة وأرسلتها له، وهرعت مسرعة تبكي ألما ووجعا، ولكنها فى نفس الوقت مقتنعة أن ما فعلته هو الصواب بعينه.
وتمر السنين وقد أصبحت زينب فى العشرين من عمرها، ومازال حب الفتى متربعاً على عرش قلبها بلا منازع، رغم محاولة الكثيرين اختراقه، ولكن دون فائدة، فلم تستطع أن تحب غيره.
وعادت زينب وعائلتها إلى أرض الوطن، وهناك بدأت دراستها في الجامعة، فتخصصت في هندسة الاتصالات، واختارت الجامعة وفداً لمعرض الاتصالات.
وكانت زينب من ضمنه، وأثناء التجول فى المعرض توقفوا عند شركة من الشركات التى تعرض منتجاتها.
وعند خروجهم نسيت زينب دفتر محاضراتها على الطاولة التي تعرض عليها الشركة منتجاتها. أخذ الشاب الذي كان موظفاً في الشركة الدفتر ولحق بها.
لكنها ضاعت عن ناظره، فقرر الاحتفاظ به فربما ترجع صاحبته للسؤال عنه، ويجلس الشاب وبيده الدّفتر والساعة تشير للحادية عشرة ليلاً، وقد خلا المعرض من الزبائن، وبينما هو جالس راودته فكرة تصفح الدفتر، ليجد عليه اسم حساب الفتاة.
تفاجأ الشاب وراح يقلّب صفحاته ليجد اسم زينب ، فطار من الفرحة، وراح يركض ويقفز فى أنحاء المعرض. وفي صبيحة اليوم التالي هرع إلى المعرض أملاً في أن تأتي زينب من أجل دفترها، وفعلا تأتي زينب ، وعندما رآها كاد أن يسقط من الفرحة، فلم يكن يتوقع أن يخفق قلبه لفتاة فى جمالها.
فأعطاها الدفتر وهو يتأمل فى ملامحها، وهي مندهشة منه، فشكرته بلسانها ولكنها فى قرارة نفسها كانت تقول عنه أنه أخرق لأنه لم يبعِد عينيه عن وجهها!!.
وخرجت زينب فلحقها الشاب إلى بيتها، وراح يسأل الجيران عنها وعن أهلها، وجاء في اليوم التالي ومعه أهله ليخطبها، وقد وجده أهلُها عريساً مناسباً لابنتهم، فهو طيب الأخلاق، ومتدين، وسمعته حسنة.
ولكنّ زينب رفضته كما رفضت من قبله، لأنّ قلبها لم يدق إلا مرة واحدةً، وخاب أمل أهلها، وأخبروا الشاب برفض زينب له، ولكنه رفض ردهم قائلا:" لن أخرج من البيت حتى أتحدّث إليها ".
وأمام رغبة الشاب وافق الأهل. وجاءت زينب وجلست، فقال لها:" زينب ، ألم تعرفيني!".
فقالت له:" ومن أين لي أن أعرفك!؟ ".
قال لها:" أنا الذي رفضتِ التحدث معه حتى لا تخوني ثقة أهلك بك"، عندها أغمي عليها من هول الصدمة والفرحة، لتستيقظ وتراه واقفاً أمامها، وعندها أدارت وجهها لأبيها قائلةً:" أنا موافقة يا أبي، أنا موافقة ".
تعليقات
إرسال تعليق